يوميات مسافر في الولايات المتحدة - انطباعات




يوميات مسافر في الولايات المتحدة - انطباعات

اسبوع بالتمام والكمال على سفرتي انا وزوجتي الى الولايات المتحدة ،رأس الحية وكر الامبريالية وسبب ويلات بلادنا وشعوب المنطقة ،(و للتنويه نحن ايضا نحمل قسطاً كبيراً وشركاء في صناعة ويلاتنا  )، لكن  ايضاً تحمل امريكا جغرافيا وحضاريا بعداً اخراً مساحة شاسعة وقوميات مختلفة اختلطت ثقافاتها ،قصة صراع على حقوق الانسان ،الاسود مثلاً ، ما زالت مستمرة لكنها تأخذ مناحي مختلفة . صراع على حريات في بيئة العولمة ، حرية المرأة على جسدها / اجهاض ، حكم الاعدام ... وغيرها ،صراع طبقي يتحدى المؤسسة  يأخذ حتى جانب في الانتخابات للرئاسة ،انظر ظاهرة ساندرس المرشح الديمقراطي او حتى المرشح الجمهوري ترامب  الذي يتحدى المبنى المؤسساتي للحزب الجمهوري من الجانب المتطرف الاخر،بلاد الهجرة المتعددة القوميات  وثقافات مختلفة والهجرة القصرية في عصر العبودية ،ووجود غير مغطى اعلامياً للاصلانيين اصحاب البلاد ،مثير للاهتمام, على انتظار !
ووصل يوم السفر من الصباح يجب انهاء التزامات في العمل تحضير الحقائب ،يوم شاق وتخوفات من "الغلبة" في المطار مما يسمى الفحص الامني ،فاحياناً كونك عربي قد تدخلك في معاملة "خاصة" ،وصلت وزوجتي الى المطار ٤ ساعات قبل الاقلاع لتفادي اي تأخير ،وتفاجئت من سرعة الفحص وبقيت بانتظار ساعات للاقلاع الذي سيمر بڤيينا ومن ثم اقلاع طويل نحو واشنطن ...
12
ساعة من السفر ، احسد الاشخاص الذين يعرفون النوم اثناء السفر ، تعب التنقل من مطار ونعاس لكن انعدام القدرة على النوم يجعلني انتقل من مشاهدة فلم لاخر ،واشغال المضيفات بجلب المشروبات ،لينتهي الطيران بهبوط مليء بالمطبات الهوائية ادخل الرعب في قلوب الكثير من الركاب ونهبط في مطار واشنطن ...
اول ما لفت نظري المضيفات الامريكيات المحجبات في المطار ،مطار ومحجبات تركيبة غريبة في عالم الهاجس الامني .
خرجنا من نقاط الفحص بسهولة ،
وكان لقائنا باقاربنا في قاعة الانتظار وابتدأ مكوثنا في بلد العم سام ....
الاختلاف بالتوقيت هو العامل الاول الذي تشعر به ليلك ينقلب الى نهار وساعتك البيولوجية تحتاج الى يومين على الاقل لتبدأ بالعمل بالتوقيت الجديد ،يمكنك تخطي ذلك بسهولة اذا صادفت مضيفين خفيفي الظل كمضيفينا فعديلي ،مضيفي ، وزوجته لا يفوتا فرصة للضحك واعطائك الاحساس  بالراحة .
مر يومنا الاول بالبيت وبعشاء جماعي اول وحديث عن الاخبار .
في الايام التي تلت كانت زيارة لكاتدرائية جميلة وثم الى الى متحف الجو والفضاء حيث وضعت المركبة الفضائية ديسكڤري بعد خروجها من الخدمة وانواع مختلفة من الطائرات من الشركات العالمية والامريكية مثل الكونكورد والبوينچ وطائرات حربية امريكية من حقبات تاريخية مختلفة ،وهنا ينتابك شعور غريب ومختلط وهو الاعجاب بالمستوى التقدم العلمي الامريكي من جهة ،والشعور انك امام ادوات استخدمت في قتل الشعوب في ڤيتنام والعراق وغيرها ناهيك انها تباع لتفتك بشعبنا في فلسطين ،بلد الفرص المفتوحة من جهة وبلد اخضاع الشعوب للهيمنة ،اعجاب ونفور هذه اميركا في هذين اليومين ...
الايام ايام الانتخابات التمهيدية في الولايات المتحدة ،تفوق لترامب امام كروز في الحزب الجمهوري وتفوق لكلينتون امام ساندرس في الحزب الديمقراطي،جميع المرشحين يظهرون بشكل مباشر (باستثناء ساندرس) في مؤتمر الايباك ،اللوبي القوي الصهيوني في الولايات المتحدة ،ويعبرون عن دعمهم وانحيازهم لاسرائيل ،وواحد تلو الاخر يظهرون في مقابلات في السي ان ان ويكررون بصورة متفاوتة المواقف الداعمة لاسرائيل ،ومن استمع مثلاً لمواقف الجمهوري المدعوم بقوة من مؤسسات الحزب الجمهوري ،وكأنه يستمع لنفتالي بينيت ونتانياهو مواقف داعمة حتى النخاع لسياسة اليمين الاسرائيلي وتضع الفلسطينيين في موضع المذنب والشر .
الملفت للانتباه مواقف الديمقراطي ساندرس الذي ايد فتح العلاقات مع كوبا ،رغم اعتباره النظام ديكتاتورياً الا انه ابدى اعجابه بالخدمات التي تقدمها الدولة (كوبا) للمواطنين خاصة جهاز التعليم والصحة والخدمات التي يقدمها الاطباء الكوبيين لشعبهم ولشعوب اخرى .وفي القضية الفلسطينية كرر موقف دعم امن وحق اسرائيل بالوجود لكنه ابدى امتعاضه من الانحياز لاسرائيل وعدم دعم الفلسطينيين ضد الحصار والفقر في غزة ضد الاستيطان ودعم انهاء الاحتلال بحل الدولتين ،مواقف متقدمة نوعاً ما  لا تسمعها حتى من اليسار  الصهيوني على الاقل بحدتها .
وتأتي ضربات الارهاب في بروكسل لتحتل العناوين وتضع الانتخابات جانبا ويسيطر الهوس الامني على وسائل الاعلام الامريكية .ونكست الاعلام في المرافق العامة.
الجميل في البلدان شاسعة المساحة انها متعددة التضاريس والطبيعة ،في ريف ڤرجينيا في متنزه "ڤيينا" تجد الماء والخضراء والوجه الحسن ،بداية الربيع تقلبات،منفصمة ، في الطقس من بارد قارس الى حار ،تزهر في حدائق ال national mall في واشنطن اشجار الساكورا ،الكرز الياباني،التي اهديت للولايات المتحدة لتزيين الحدائق في العاصمة الامريكية بالابيض والوردي منظر خلاب .
بداية الربيع والاشجار تكسوها الازهار والبراعم بحيرة تشاهد فيها اسماك ذهبية وسلاحف تضاريس تلال وسهول غاية في المتعة التجوال فيها في يوم ربيع مشمس ،الناس بشوشون الابتسامة دائماً في وجوه من تقابلهم وجهاً لوجه هدوء ساحر ،الطبيعة كما دائماً الطبيعة في كل مكان خلابة ساحرة وتبعث الهدوء والارتخاء في النفوس .
في الايام القادمة سنتوجه الى حدود كندا ونعبرها قليلاً...
شلالات نياچارا ،ظاهرة طبيعية خلابة جزء من نهر نياچارا والبحيرات الكبرى على حدود الولايات المتحدة وكندا ،دخلنا الى الجانب الكندي ،شرطة الحدود تفحص الجوازات ونمر خلال دقائق لا تتعدى اصابع اليد الواحدة رغم الرعب الامني ، على الضفة الكندية يتجمع سواح من جميع اصقاع العالم ترى الاسيوي والافريقي والاوروبي ،المنظر مبهر وتشعر بساعات التأمل بانبعاث الهدوء والاسترخاء في نفسك ، تجمع الامم والديانات والاثنيات المختلفة كل في حاله وانتماءه وكل على حاله دون ان يؤثر على حالك ،هو امل لامكانية لعالم تعددي اخر غير الذي نعيشه .
ثم تأتي نيويورك ... هذه هي اميريكا العالقة باذهان العالم ،الضخامة بكل شيء ،الاضواء الباهرة ،الشوارع الصاخبة ،كل ما يعلق بالذاكرة عن اميريكا من افلام هوليوود ،تسير بالشوارع والناس  من حولك "تركض" في كل الاتجاهات ،بنايات شاهقة اينما تحط بنظرك ،سيارات فارهة ،محلات لشركات التصميم العالمية في مجال الازياء،العطور،الطعام،الحوسبة والتكنولوجية تطل عليك من كل جانب ،الليل المضاء بكل الالوان ،وشاشات ضخمة من خلالها يبيعونك كل شيء يخطر او لا يخطر لك ببال .
وللحظة يقظة من مخدر العالم الاستهلاكي ،تكتشف انك في مكان بمثابة "شفاطة" جيوب الناس ،محلياً وعالمياً ،تبدأ تنتبه انه بينما ترنو للاعالي وتنبهر بناطحات السحاب هناك على جوانب الطريق مشردون، الشارع بيتهم في برد هذه الايام القارس،في هارلم احدى احياء السود تواجد مكثف للشرطة ويظهر لك الحي مهملا مقارنة بالاحياء الاخرى بالمدينة ،تسمع عن الشقق الصغيرة واسعارها الخيالية ان كان استئجارا او كان شراءً ،كل ذلك يجعلك في دائرة الانبهار التي تلف بك من نقطة الاعجاب الى نقطة النفور والوعي ان ما تراه يدفع ثمنه انت و اخرون .
ثم تلتقي بمظاهرة لعمال احدى شركات الاتصالات الكبيرة في الولايات المتحدة المطالبة بتحسين ظروفهم وايجاد فرص عمل جديدة لتهبط بك من اعلى طبقة في  ناطحة السحاب الى ارض الواقع الطبقي.
اصدقكم القول اني كنت اتمنى ان امكث اكثر في هذه البلاد ،الرفقة الجميلة وخفيفة الظل من علاء ودعاء وابنائهم ايان ويزن ، اقربائي ،والطبيعة الخلابة ،هدوء مدن الضواحي ،التأقلم السريع مع الاجواء حتى الخروج بسيارة بشكل منفرد دون مرافقة لشراء الحاجات والتسوق،البعد عن الضغط وصراع الحياة اليومية الحقيقية ،والغربة داخل وطنك ،كل هذا يجعلك تريد المكوث اطول ،لكن البلاد تطلب اصحابها كما يقول المثل ،هل زرت كل الولايات المتحدة بالقطع لا ،هل تعرفت عليها اكثر ،بالتأكيد !
اذن ،ماذا تعني ؟ هناك جانبان الاول هو السياسي بلد الهيمنة والاستعمار وهناك الجانب الانساني الطبيعة الخلابة وتعدد الثقافات الاصرار على التمييز والنجاح ،قد يقول قائل ان الاول مرتبط بالثاني وبالعكس ،هذا صحيح لكن الامر مركباً ،هذه البلاد مرت بحروب اهلية وصراعات عرقية وتمر الان بتغيير كبير قد يكون بطيئاً وقد يوأد ،لكنه يحدث لدى شريحة كبيرة من الشباب يتمثل بتأييدها للمرشح ساندرس الذي يطرح طرحاً طبقياً نوعاً ما رافضاً للهيمنة ،قد يكون لاغراض انتخابية ،لكن الشباب الذي يدعمه يدعم هذا الخطاب ,بالمفهوم العام السياسي  الولايات المتحدة ما زالت بتركيبتها رأس الحية لكنها تعيش بازمة حقيقية وتناقضات داخلية تراها بكل مكان بالحديث مع الناس في الخطاب السياسي الذي يريد ان يهرب من المؤسسة الى الامام معبراً عن ازمة حقيقية تمر بها المؤسسة ,وبشباب يبحث عن سياسة اخرى , ،قد يكون مهما لنا التواصل مع هذا الشباب .
اعود الى فلسطين واول ما اشعر به شوق للبلاد وقرف من اجواء العنصرية واجد نفسي مباشرة في "طنجرة ضغط" !!

Comments