بين عالم الميديا ووعي الناس

 



في عالم الميديا استطاع عالم رأس المال، ولو لحين، ان يتجنب الصراعات في داخله عن طريق خلق عوالم قطبية متوازية يعيش كل عالم لوحده يتحاور مع نفسه تارة بالاختلافات السطحية وتارة بالتصفيق لنفسه ،فتجد مجموعة / عالم، تأخذ منحىً فكرياً او اجتماعياً - اقتصادياً - سياسيا تجذب اليها اصدقاء ومتابعين متشابهين بالأغلب يطرحون قضايا يتبادلون حولها نفس الآراء وتجاذبونها من نفس الوجهة ويرونها من نفس الزوايا ويستنتجون على الاغلب نفس الاستنتاجات حولها ،والكلمة "نفس" لا تعني بالضرورة التطابق بقدر ما تعني التقارب ،بينما تجد مجموعة /عالم اخرى تطرح نفس القضايا ،بحيث تتعامل معها بأسلوب مناقض للمجموعة الاولى وتصل لاستنتاجات عكسية للأولى ،كل عالم من العالمين يظن انه الاصدق وانه الاغلبية واحيانا لا يعلم بوجود العالم الموازي وفي احسن الاحوال يظنه عالما هامشيا .هذا يخلق صراعات سطحية ويبعد الناس عن الصراعات العميقة الميدانية كون الصراع يبدأ وينتهي بالميديا .عالم رأس المال خلق لكل عالم المنحى الاعلامي الذي يمتص اليه معجبيه ،هذا صحيح في عالم الميديا المسماة اجتماعية فالصفحات عادة تضم من يشبهوا بعضاً ،وصحيح ايضا في عالم الميديا المرئية التقليدية فعلى الاغلب كل يتابع القناة التي تتلائم مع فكره ورؤيته ،وصحيح في الصحافة المكتوبة ،رغم فقدانها للمتابعة ،الا ان من يتابعها ينجذب لقراءة ما يروق لمزاجه ،ناهيك عن القنوات الفردية التي اصبح فيها كل فرد اعلاميا ينقل الخبر ،السياسي او الاجتماعي او الاقتصادي او الترفيهي او اي كان ،بحيث تضيع قيمة " الحقيقة" و "المؤكد" وتصبح الاخبار تحمل قيمة  " البديلة " .

في المقابل يستطيع عالم رأس ان يصل الى كل العوالم المتواجدة في الميديا، عن طريق ما يسمى بالتغريد الممول، و"يبيع" ما يريده للجميع .ناهيك انه يتابع خصوصيات المتابعين على اختلافهم ليصل اليهم ولأهوائهم .

هذا يجعله، اي رأس المال ،ليس فقط مسيطراً على الوعي الاستهلاكي للناس ،بل ايضاً يجعله يلعب في الوعي السياسي ويحرك نعرات انغلاقيه ،أثنية وطائفية وعنصرية ،وهو ينجح بذلك .

امام كل هذا تجد البشرية نفسها امام تحدي حقيقي في بلورة وعيها، وعي يضع الانسان والشعوب ومصالحها في رأس سلم الاولويات وليس مصالح رأس المال. هذا ممكن اذا تنظم الناس بشكل واعي ودخل الميديا من النفس الباب الذي يدخله رأس المال ومن ثم يخرج الصراع معه من ميدان الافتراض الى ميدان الواقع ،التضامن الجماعي وليس الفردانية هو السلاح، والذي هو العدو الاساسي لرأس المال منه يخاف ويحاربه, ويحاول تشجيع "حارة كل مين ايده له" والفردانية والنجاح الشخصي .

  الضرب بكل ما هو مجمع ومنظِّم هو مكافأة مجانية لرأس المال وللاستغلال و"للتجهيل السياسيتنظيم الناس وتثويرها هو المحرك الاساس نحو التغيير وليس التسليم بالمنظومة القائمة.


Comments